الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على رسوله الكريم :
قال الله تعالى في القرءان الكريم: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} لقد أمرنا الله تعالى بحفظ السنتنا وأعلمنا في هذه الآية بأن علينا ملائكة يكتبون أقوالنا وهذان الملكان هما رقيب وعتيد، وهما يكتبان كل ما يحصل من الإنسان من قولٍ أو فعل أو اعتقاد ولكن الله تعالى ذكر أنهما يكتبان ما يصدر من فم الإنسان لأن أكثر أعمال الجوارح أعمال اللسان، فيجب على الانسان أن يحفظ لسانه عن كل ما نهى الله تعالى عنه من المعاصي سواءٌ كانت كفرًا أو دون ذلك لأن أكثر أسباب هلاك الانسان هو لسانه لذلك قال عليه الصلاة والسلام: "وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم" فاللسان أيها الأحبة الذي هو نعمة عظيمة من نعم الله، من استعمله في الخير وطاعة الله كان فوزًا له وسببًا في نجاته وفلاحه يوم القيامة وأما من استعمله فيما لا يرضي الله تعالى كان وبالاً عليه وقد يكون سببًا لخلوده في نار جهنم.
فعلى المسلم أن يراقب لسانه وأن يفكر قبل ان يتكلم هل ما ينطق به يرضي الله تعالى أم يغضب الله، وليكن قليل الكلام كثير الصمت حتى لا يزل لسانه ويهوي إلى مزالق الشيطان فقد قال عليه الصلاة والسلام: "من صمت نجا" وقال صلى الله عليه وسلم "عليك بطول الصمت إلا من خير فإنه مطردة للشيطان عنك وعون لك على أمر دينك".
فالفلاح إخوة الايمان هو بطول الصمت وليس بكثرة الكلام.
واعلموا ايها الأحبة أن الله تعالى غني عن العالمين لا ينتفع بطاعاتنا ولا ينضر بمعاصينا ولكن من ءامن وأطاع الله فقد نفع نفسه ومن كفر فقد ضر نفسه، ولكن الله تعالى أعد للكافرين عذابًا شديدًا يوم القيامة قال تعالى: {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا اعتدنا للظالمين نارًا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماءٍ كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا} فالله تعالى توعد الكافرين في هذه الآية بأن لهم نار جهنم، فهذه الآية فيها تهديد لهم، وليس كما يظن بعض الناس الذين لا فهم لهم بالدين حيث يقولون على زعمهم إن هذه الآية فيها حرية الفكر أي أن الانسان له ان يختار أي دين شاء غير الاسلام وهذا باطل وضلال وخروج عن عقيدة المسلمين.
بل هذه الآية تهديد لمن كفر وليس ترخيصًا له بالكفر والعياذ بالله كذلك قوله تعالى {لا إكراه في الدين} فليس معناه أن الإسلام يرضى بحرية الاعتقاد كما يتوهم بعض الناس، بل معنى الآية ليس لك أن تكره الكافر الذمي على الدخول في الإسلام ما دام يدفع الجزية ويخضع لسلطة الاسلام، وعلى تفسير لهذه الآية أنك يا محمد لا تستطيع إكراه القلوب لأن الذي يهدي القلوب هو الله تعالى وهذا معنى قوله تعالى: {ليس عليك هداهم} أي لست مكلفًا بأن تجعلهم مؤمنين معتقدين قلبًا إنما عليك البيان.
فالله تعالى هو الذي يخلق الهداية في قلب من يشاء من عباده كما قال تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقًا حرجًا كأنما يَصَّعَّدُ في السماء}.
فلو كان يجوز للإنسان أن يعتقد ما يريد كما يدعي بعض الملاحدة فلم قال النبي "من بدل دينه فاقتلوه" فهذا الحديث فيه بيان وجوب الثبات على الإسلام وانه لا يجوز الاعراض عنه إلى غيره.وكذلك قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتواتر : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم وحسابهم على الله "
فليحذر أيها الأحبة من كل من يخالف دين الله ويفسر القرءان على هواه ليرضي الشيطان ويداهن أهل الكفر والفساد فهذا فتنة وشر كبير وأمّا قول الله تعالى {والفتنة أشد من القتل} معناه الفتنة في الدين أشد من القتل، لأن الفتنة في الدين كفر والكفر أشد من القتل وليس المراد أن الفتنة بين الناس والعمل للافساد بينهم أشد من القتل بل القتل هو أكبر الذنوب بعد الكفر فالمراد بالآية الفتنة في الدين وهو الكفر هذا أشد من القتل. فمن هنا يتبين لنا أيها الأحبة ضرورة تعلم أمور الدين من أهل المعرفة وأن لا يطلق الشخص لسانه فيما لا يعلم رغبة منه في المشاركة في الكلام الذي يكون سببًا في هلاكه حين يفتي بغير علم، وقد قال القائل:
إحفـظ لسـانك أيهـا الانسان
لا يلدغنــك إنــه ثعبـــان
كــم في المقابر مـن قتيل لسانه
كانت تهـاب لقاءه الشـــجعان
نسأل الله تعالى أن يحفظ السنتنا عن الحرام وأن يجنبنا الكفر والمعاصي والافتاء بغير علم.